في زمنٍ يندُر فيه الإنصاف وتقل فيه الموضوعية، وتحسّرًا على الواقع المؤسف لبعض الآراء وتشجيعًا على احترام الجامعة وخيارها، عندما قررت جامعة إقليم سبأ أن تخطو خطوة تاريخية، لا لأجل اسمها فقط، بل لأجل طلابها، حينما أعلنت إقامة حفل تخرج جماعي كبير، يضم جميع الأقسام والكليات، ويحتفي بكل الخريجين، دون تمييز أو تفضيل، وعلى نفقتها الخاصة.
خطوة كهذه، كان يفترض أن تُقابل بالتقدير والإمتنان، فإذا بها تُواجَه بالانتقاد والتشكيك والإحتجاج، لا من خصوم أجانب ولا من خارج السور الجامعي، بل من بعض طلابها، ممن يفترض أنهم أول من يفرح بهذه العدالة وهذا الإنصاف.
خلال السنوات الماضية وانا شاهد حينها وطالب، عانت بعض الأقسام في الكليات لسنوات من عدم القدرة على إقامة حفل تخرج، فيما تنعم كليات أخرى بدعم من تجار ورجال أعمال، وكان هذا يُحدِث فجوةً مؤلمة بين الطلاب، ويخلق شعورًا بالغبن والتمييز تسبب في قلة الإقبال على بعض التخصصات، بل وتسبّب ذلك في إحراجات متكررة للجامعة، أمام الرأي العام والوسط المحلي، حينما تحول الخريجون إلى طالبي دعم ورعاية، يطرقون أبواب من لا شأن لهم بحفلات ومهرجانات التخرج .
فهل من المعقول أن يتحول القرار إلى محل سخط واحتجاج؟
وهل من العدل أن يُهاجم؟
الجامعة التي قررت المساواة والاحتفاء بكل طلابها، لا تستحق هذا الجحود اسألوا أنفسكم من المستفيد الحقيقي من انتقادكم؟
هناك طرف ثالث من وجهة نظري ولعلها خاطئة هو المتضرر الوحيد وهو من فقد مصالحه من هذا القرار ولا أجد أحدًا سوى متعهدي الحفلات وأنا هنا لا اخص ولكن آمل من الجامعة إيجاد الحلول المناسبة لإشراكهم جميعا في مثل هذا الحدث الأضخم والأبرز .
حفل التخرج الذي ستقيمونه انتم لأنفسكم كأقسام فردية هو نفسه حفل التخرج الذي ستقيمه الجامعة مع كل المميزات التي تمكن طلاب الأقسام الاخرى من الحصول على هذه الفرحة الجماعية دون بحث الجميع عن الدعم والرعاية .
الزملاء الأعزاء ليس من اللائق بكم أن تنقلبوا على بيتكم الأول، وعلى المؤسسة التي علمتكم وأعطتكم شهادة سترافقكم طول حياتكم.
إن من ينتقد جامعته على قرارٍ فيه مصلحة عامة، إنما يطعن في وعيه، ويضعف من قيمة شهادته، ويشكك في علمه.
هذه الجامعة لم تكن حلمًا جاهزًا، بل كانت معجزةً صُنعت من العدم، وجاءت كطوق نجاة لنازحين وأبناء محافظات نُهش فيها التعليم وتقطّعت بها السبل.
لقد وُلِدت لنا هذه الجامعة من رحم المعاناة، وفي زمن الحرب والتمزق والانهيار، حين غابت الدولة وتلاشت المؤسسات وطال النزوح، كانت هذه الجامعة بصيص الأمل الوحيد الذي شق لنا الطريق من وسط الركام.
حينها لم تكن لنا مجرد مبنى أو شعار، بل كانت لنا مشروع حياة، عندما تخرج منها الآلاف واحتضنت الجميع في أحلك الظروف ونراها اليوم المنجز الوطني الذي نستطيع أن نورثه للأجيال بصفحة بيضاء ناصعة، نفاخر به التاريخ، ونصونه من العبث والتشويه.
الحسرة ليست على هذا الموقف فقط، بل على المستقبل الذي قد تندمون فيه، حين تمضون في حياتكم، وتضعون شهاداتكم من جامعة إقليم سبأ على كل طاولة مقابلة عمل، وستسألون عن الجامعة وسيقرأ الناس ما تقولون عنها.
لا تطعنوا في الشجرة التي ظلّلّتكم، ولا تسخروا من الأرض التي أنبتتكم.
احضروا الحفل الجماعي وشاركوا في الحدث التاريخي وخلدوه مفخرة حقيقية، تجمع كل أبناء الجامعة في مكان واحد وتحت راية واحدة، تُقال فيها الأسماء وتُرفع فيها القبعات والشهادات ويُقال هؤلاء هم أبناء جامعة إقليم سبأ.
اجعلوا يوم تخرجكم هذا عنوانًا للفخر، لا للتنازع.
اجعلوه مناسبة للفرح، وكونوا أبناءً أوفياء، لا ناقدين عاقين فالجامعات تُبنى بالحجر والعلم، لكن تبقى قلوب طلابها هي ما يمنحها الحياة والمكانة.
والسلام